توجه الناخبون الأتراك أمس الأحد 14 مايو الجاري، لانتخاب الرئيس المقبل وأعضاء المجلس الوطني الكبير «البرلمان» في انتخابات تعد هي الأكثر حسماً ومصيرية، كونها تتزامن مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، وقد تتحدد على ضوء نتائجها معالمُ التوجهات الداخلية والخارجية للبلاد في مئويتها الثانية.

وقد شهدت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي وصفت بأنها الأكثر شراسةً في تاريخ تركيا، منافسةً شديدةً بين الأحزاب (والائتلافات الحزبية) والمرشحين الرئاسيين. على صعيد الانتخابات الرئاسية، انحصر السباق الانتخابي بين كمال كليجدار أوغلو (74 عاماً) زعيم حزب «الشعب» الجمهوري، والرئيس الحالي رجب طيب إردوغان (69 عاماً) زعيم حزب العدالة والتنمية.

وكانت بعض استطلاعات الرأي، التي أجريت هذا الشهر والشهر المنصرم، قد أظهرت تبايناً في توقعات الناخبين بشأن فرص كلٍ من إردوغان وكليجدار أوغلو في الفوز بالرئاسة، وقد أظهر بعضها تقارباً كبيراً في التوقعات، فيما ثبت أن بعضها الثالث «مسيس» لمصلحة أحد المرشحين. ومن ثم، لا يمكن الاعتماد على هذه الاستطلاعات لتوقع هوية الرئيس المقبل لتركيا. ومع ذلك، يرجح ألا تُحسم انتخابات الرئاسة في الجولة الأولى، وأن يذهب المرشحان لجولة إعادة، في 28 من الشهر الجاري، تبدو فيها فرص أردوغان الانتخابية هي الأوفر.

أما على صعيد الانتخابات البرلمانية، فإنّ السمة الأساسية تمثلت في لجوء الأحزاب، ولا سيما أحزاب المعارضة، لتشكيل تحالفات انتخابية لتجميع الأصوات ومنع تشتتها، ومن ثم الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان القادم.

ودارت رحى المعركة الانتخابية بين أبرز ائتلافين حزبيين، وهما تحالف الجمهورالحاكم الذي يتزعمه «حزب العدالة والتنمية»، ويضم عددًا من الأحزاب أهمها حزب «الحركة القومية» وحزب «الاتحاد الكبير» وحزب «الرفاه الجديد»، وتحالف «الأمة» أو التحالف السداسي الذي يتزعمه حزب الشعب الجمهوري المعارض ويضم «الحزب الجيد» القومي، وأربعة أحزاب أصغر. وأشارت التوقعات أيضاً إلى تقارب فرص الأحزاب والتحالفات الانتخابية، وإن كانت الكفة تميل لمصلحة المعارضة. وعليه، فقد تشهد تركيا خلال الأعوام الخمس المقبلة فترة تعايش بين الرئيس أردوغان ومعارضيه الذين يحوزون الأغلبية البرلمانية، تشبه بدرجة ما تجارب التعايش الفرنسية.

وبرغم أن هذه الفترة، التي سوف يضطر إليها الطرفان اضطراراً، سوف يكون لها آثار إيجابية تتمثل في اعتدال توجهات السياسات الداخلية والخارجية التركية، إلا أنها سوف تشهد اضطراباً سياسياً ودستورياً، كونها غير مسبوقة في التاريخ التركي، وكون النظام الدستوري لا يتضمن قواعد لتنظيم مثل هذه التجربة.

فمثلاً، لن تتمكن الأغلبية البرلمانية، على عكس التجربة الفرنسية، من تشكيل الحكومة. على أية حال، لن يتم تغيير النظام الرئاسي والعودة للنظام البرلماني مرة أخرى في تركيا، ما لم تؤمن المعارضة السداسية ثلثي مقاعد البرلمان، وهو أمر غير محتمل. وتنبع أهمية ذلك من أن هذه الانتخابات اتسمت بطابع الاستفتاء على النظام الرئاسي.

*باحثة - مركز تريندز للبحوث والاستشارات